”هل ترضاها لأختك”؟ بهذه العبارة تغلق كل أبواب النقاش على تابو الجنس لدى العرب، وينتقل الحوار إلى جدل شخصي عوضًا عن مناقشة الفكرة بل والمشكلة الجنسية في العالم العربي والإسلامي.
“لماذا هذه المتعة حرام؟!”، بتعجب سألتُ نفسي عقب أول علاقة جسدية مع فتاة عشرينية، في مدينتي الصغيرة، ذمار، جنوب العاصمة صنعاء، كنت في سن الخامسة عشرة حينذاك، حين جاءتني إلى متجري الخاص في أحد الأيام وطلبت مني إغلاق الباب. كنت قد تعرفتُ عليها قبل ذلك بأسبوع، وحين أدركت أني مهيأ للحب قررت أخذ نصيبي منه كما يأخذه الذكور. في تلك الفترة كنت سلفيًا ألقي موعظة صغيرة بين صلاة المغرب والعشاء، وعند صلاة الظهر أتعبد في جسد تلك العشرينية.
صراع مرير
صراع مرير ما بين نسكي وتعبدي ليلًا في المسجد، وما بين صلاتي مع تلك الحسناء نهارًا. لم يكن الشيخ علي لقمان يدرك أن الطفل الذي يرشحه لإلقاء موعظة بين مغرب وعشاء، يلقي موعظة من نوع آخر نهارًا. تمزقت روحي ما بين صلاتي على فرش المسجد وصلاتي على ذلك الجسد. لم أكن قد حسمتُ حينها أيهما الصلاة التي ترضي الرب حقًا. فقد تساءلت يومًا، لمذا خلق فيَّ تلك الرغبة في تلك السن المبكرة؟ ألم يكن الأولى به أن يؤجلها حتى أبلغ أجل الزواج وتحمل مسؤولية فتح بيت ورعاية الزوجة وما قد نرزق به من أبناء؟! لماذا أوجد هذا العذاب بين جسدي وعقلي وروحي؟! أليس قادرا على كل شيء وهو الحكيم العليم؟! لمَ نصب لي فخًا بين فخذيَّ، أدخل بسببه النار خالدة مخلدة فيها أبدا؟! لمذا أُعذَّب أنا وهو من نصب لى ذلك الفخ؟! ثم لماذا لا يكتفي بتعذيبي حتى أموت؟! لماذا كلما نضج جلدي، بدلني جلدًا غيره ليواصل تعذيبي؟! هل هذا إله فعلًا!؟
في حارتنا، كنا نجتمع أنا وبعض أقراني ومن يكبرونني سنًا ببضع سنين، أحدنا يحضر الفيلم والآخر يسرق جهاز الفيديو التابع لوالده والثالث يوفر مكانًا آمنًا لصلاة الجماعة، نشاهد الكفار وهم كما خلقهم الله يؤدون طقوس الحب ونحن نضرب ما بين أفخاذنا في عتمة الغرفة، لا نشاهد بعضنا لكن نسمع التشهد الأخير لمن لا يستطيع كتم صوته أو من تهتز الغرفة الصغيرة من رعشته.
فصول كثيرة من المعاناة تحتاج كتابا لكل شاب عربي على حدة لسردها. الصراع المزمن بين حاجات الجسد من ناحية، والوعي الديني والعادات الاجتماعية التي تسحق آدميتنا من الناحية الأخرى، وتجبرنا على النفاق والعيش بوجهين، الزائف الذي تملأ الآيات القرآنية حائطه على مواقع التواصل، والحقيقي الذي يتسول صور البنات في الماسنجر.
© جورج صباغ
نفاقٌ جمعيّ مَرَضيّ
مجتمعاتنا تعيش حالا من النفاق جمعي مرضي. الناس يعملون سرًا لاشباع تلك الرغبات والحاجات الطبيعية، وفي الوقت نفسه يدينون تلك المساعي والرغبات. يهدرون أوقاتا كثيرة ليس من أجل تلبية تلك الرغبات فقط بل ومن أجل مداراة تلك العلاقات وإخفائها. هنا تظهر مشاكل أخرى كالاستغلال وخصوصا للفتيات، ناهيكم عن مشاكل الحمل غير المشروع وما يُسمى بجرائم الشرف، ومشاكل عديدة أخرى نتيجة هذا النفاق بل والفصام الجمعي المرضي. فالكل يسعى لتلبية تلك الحاجات، والكل يخفي تلك الرغبات ويزدريها ويدينها في العلن، وخصوصا منها ما يكون خارج أنظمة الزواج الرسمية وهي الأغلب. فحتى الرجال المتزوجون تسعى غالبيتهم العظمى لايجاد علاقات أخرى خارج الزواج.
منذ السابعة عشرة من العمر يهدر الكثير من الشباب الكثير من الوقت والمال والتفكير في تلبية حاجاتهم الطبيعية، وتضيع أعمارهم وهم يتسولون العلاقات سرًا، وكثير منهم لا يحظى بفرصة فيتسبب له ذلك بحالة كبت تتحول إلى عقد وأمراض نفسية وإعاقات ذهنية وعقلية مستقبلًا، وهذا يفسر ضعف الابداع في مجتمعاتنا. إذ إن العقول لا تعمل بشكل كامل وتفكر بشكل ابداعي إلا متي ما كان الجسد مشبعًا بحاجاته الطبيعية، من الأكل والشرب والجنس. ومتى كان هناك نقص في تلك الحاجات، فإن العقل لا يشتغل بطاقته الكاملة ولا يصل إلى مراحل الإبداع المتقدمة التي تبتكر وتقدم كل جديد واستثنائي.
لولا المشكلة الجنسية، ما ذهب الكثير من شبابنا إلى محارق الموت مع جماعات الإسلام السياسي على وقع إغراء السبايا في العراق وسوريا وإغراء الحصول على ٧٢ حورية عند الموت “شهيدًا”. فلو كان لكل شاب حوريته في الأرض ما سعى إلى الموت ليصل إلى أحضان حوريات الجنة المزعومة”
قد ينظر البعض إلى أن “المشكلة الجنسية” في مجتمعاتنا لا تتسبب بتلك الأضرار والإعاقات الذهنية والمعرفية وقلة الابداع، وقد يعزو تخلفنا وفشلنا إلى عوامل أخرى، وأنا معهم في أن هناك الكثير من العوامل، لكن الأهم منها هي هذه المشكلة التي تحرم الجسد حقوقه فلا يعمل العقل بشكل صحيح، ولولا هذه المشكلة مثلًا ما ذهب الكثير من شبابنا إلى محارق الموت مع جماعات الإسلام السياسي على وقع إغراء السبايا في العراق وسوريا وإغراء الحصول على ٧٢ حورية عند الموت “شهيدًا”. فلو كان لكل شاب حوريته في الأرض ما سعى إلى الموت ليصل إلى أحضان حوريات الجنة المزعومة. فالشاب الذي يعيش بشكل طبيعي ويشبع غرائزه في وسط مجتمعي يقبل علاقة الصداقة الرضائية، يكون أحرص على حياته ومستقبله ويسعى إلى العمل والابداع لكي يتمكن من العيش بسلام ويستمتع بمباهج الحياة.
من وجهة نظري
من وجهة نظري، إن العبادة الحقيقية للإنسان ولكل المخلوقات هي الجنس. الجنس هو سر البقاء. فقط يجب تنظيمه لتجنب أضرار الممارسة العشوائية. لكن كبحه والحرمان منه يؤدي إلى مشكلات اجتماعية خطيرة وتراجع في وعي البشر، ويُنتج ميلا إلى العنف والتطرف والإرهاب. فالمجتمعات المنفتحة جنسيًا تكاد تنعدم فيها الجريمة، كالسويد مثلًا، فكلما أُشبعت رغبات الإنسان الطبيعية، من أكل وشرب وجنس، إضافة إلى الإستقرار والأمان وحرية الرأي، فإن ميله إلى العنف والتطرف ينخفض إلى أدنى المستويات. هذا لا يعني عدم وجود شذوذ عن القاعدة، وتجارب الدول الإسكندينافية تؤكد هذه الفرضية. في المقابل فالمجتمعات والدول التي تحارب تحقيق الرغبات الطبيعية للبشر، وتمنعها، وتحد منها، وفي مقدمها الجنس، وتحد من حرياتهم الفكرية وغير الفكرية، بذرائع مختلفة، كالعقائد والأديان والعادات والتقاليد والعيب والعار، تدفع شبابها إلى العنف بشكل أو بآخر، وتجعلهم فريسة سهلة للتنظيمات المتطرفة. دعوا الشباب يتعبدون بطريقتهم، واعملوا على انتاج ثقافة اجتماعية متسامحة مع العلاقات في ما بينهم، كما هي الحال في الدول الدول الأوروبية وبقية دول العالم المنفتحة في موضوع العلاقات بين الجنسين، ليُصلّوا أمام أعينكم، حتى لا تتحول تلك الصلوات التي تتم في “الخاص” على مواقع التواصل الاجتماعي والغرف المغلقة إلى أماكن موبوءة بالاستغلال والعنف، وصولًا إلى القتل. ختامها أقول: لا مقدس إلا كل فن جميل، ولا عصمة إلا لكل قيمة إنسانية، ولا معبود إلا الحب، ولا صلاة إلا الجنس، ولا رسول إلا العقل، ولا سبب لوجودنا إلا البقاء، وما عدا ذلك خرافات وهراء. فصلّوا على الحب وسلِّموا تسليما.
© كارولي شنيمان
العبادة الحقيقية للإنسان ولكل المخلوقات هي الجنس. الجنس هو سر البقاء. فقط يجب تنظيمه لتجنب أضرار الممارسة العشوائية
تابع/ي القراءة