محور
هوياتنا الجنسية القاتلة : نطاق الهويات ودروب العبور الجندري
“هذا ليس بجسدي. يجب أن أدع هذا الجسد يذهب دون رجعة”، قال الرسام الشهير اينار واغنر مخاطبا زوجته قبل أن يصبح الفتاة ليلي واغنر في فيلم “البنت الدنماركية”. هي متاهة الهويات الجندرية المتداخلة فينا والمتأثرة بالقدرية البيولوجية والتركيبة الاجتماعية، اضافة الى التربية والأدوار النمطية غير القابلة للنقاش أحيانا. 
معاناة الارتباك

تمتد الهويات الجندرية على نطاق واسع وتعريفات غزيرة تصل الى الستّين تعريفا لتؤكد تنوعها وانسيابها خارج الأجساد والأشكال والانتماءات الثنائية، وتأرجحها بين هوية وأخرى. ضمن هذا النطاق، تبقى الحرية ويبقى القرار لكل فرد بهويته(ها) الجندرية التي من الواجب دعمها واحترامها. 

في غالب الأحيان وبمساعدة العلاج النفسي، يدمج بعض الأفراد مشاعرهم (ن) الجندرية العابرة أو التجاوزية في الدور الجندري المحدد لهم (ن)، من دون الشعور بالحاجة الى تأنيث أو تذكير أجسادهم (ن).

قامت الرابطة العالمية المختصة بصحة العابرين (ات) جندريا بمجهود كبير لوضع التعريفات العلمية والارشادات الخدماتية والرعائية والمعايير المهنية الخاصة بصحة الأفراد العابرين (ات) جنسيا وجندريا وغير الممتثلين (ات) جندريا، ضمن اطار حقوقي متكامل. الى جانب ذلك، هناك جهود أخرى مطلوبة للعمل على البيئات المختلفة لتتقبل العابرين (ات) بدل وصمهم وتهميشهم ورفضهم. من المهم كذلك أن يتفهم الاخرون معاناة الارتباك الجندري جراء الانزعاج أو الضيق الناتجين من التباين بين الهوية الجندرية للفرد والجنس المحدد له (ها) عند الولادة، وأثر المعاناة على مختلف نواحي حياتهم (هن). عادةً ما تتأرجح حدة الارتباك الجندري لدى البعض بين ما هو فوق العيادي وما هو تحته.

© ادغار ديغا
شخصنة العلاج

شهدت نهايات القرن الماضي زيادة الوعي بظاهرة الارتباك الجندري، واستخدام علاجات سلوكية وهرمونية وجراحية مختلفة لدعم التغييرات المرجوة في الخصائص الجنسية الأولية والثانوية، مع نسبة رضى عن النتائج ترواحت بين 88% لدى العابرات اناثا و97% لدى العابرين ذكورا وفقا للدراسات. بتطور الأبحاث حول معايير الرعاية وترافقها مع ظهور أوضح وتقبل أرحب للعابرين (ات)، أصبحت الحاجة لأي خيار من خيارات الرعاية المتعددة مرتبطة بظروف ورغبات كل عابر (ة). في غالب الأحيان وبمساعدة العلاج النفسي، يدمج بعض الأفراد مشاعرهم (ن) الجندرية العابرة أو التجاوزية في الدور الجندري المحدد لهم (ن)، من دون الشعور بالحاجة الى تأنيث أو تذكير أجسادهم (ن). بينما نجد اخرين وأخريات يكتفون بالتعبيرات في الدور والتعبير الجندري للتخفيف من الارتباك الجندري. من هنا نرى أن البعض قد يحتاج الى علاجات هرمونية واحتمال التغيير في الدور الجندري دون جراحة، بينما يحتاج البعض الاخر الى التغيير في الدور الجندري والجراحة (دون علاج هرموني). يدل هذا كله على تميز وشخصنة علاج الارتباك الجندري بحسب حاجات كل شخص ورغباته. فلنتذكر دائما ان حالات الارتباك الجندري ليست فقط لأن المرتبك (ه) عالق في جسده، بل لأنهم (ن) عالقون (ات) في ادراك الاخرين حول اجسادهم (ن). 

البعض قد يحتاج الى علاجات هرمونية واحتمال التغيير في الدور الجندري دون جراحة، بينما يحتاج البعض الاخر الى التغيير في الدور الجندري والجراحة (دون علاج هرموني).

خيارات جدية

تتوفر للاشخاص الساعين الى خدمات رعائية خاصة بالارتباك الجندري مجموعة متنوعة من الخيارات العلاجية الجدية، ويختلف مدى استعمالها وتطبيقها بين شخص واخر وبحسب التقييم الطبي ومنها:

  • التغيير في التعبير والدور الجندري بما يعني العيش مع دور جندري بشكل كلي أو جزئي، متسق مع الهوية الجندرية. 
  • العلاج بالهرمونات الجنسية لتذكير الجسد أو تأنيثه. 
  • جراحة التثبيت الجندري لتغيير الخصائص الجنسية الأولية و/أو الثانوية (الأعضاء التناسلية الخارجية و/او الداخلية، الثديان والصدر، الملامح، نحت الجسد).
  • العلاج النفسي للمساعدة على الاحاطة بالارتباك الجندري وللسعي إلى فهم الهوية والدور والتعبير الجندري، وتأثير الوصمة على الصحة النفسية، والتخفيف من رهاب العبور المستبطن، اضافة الى تعزيز الدعم الاجتماعي للعابر (ة)، ودعم الأتراب وتحسين صورة الجسد.  

من المهم قبل الشروع في العلاج اجراء تقييم دقيق يشمل تدوين استمرارية الارتباك، لعب الدور الجندري المرغوب فيه، المرحلة والفترة العمرية للبدء في عملية العبور، والقدرة على الموافقة المستنيرة لاتخاذ القرار وتلقي العلاج. يتوزع العلاج على ثلاث طرق بحسب الحاجة والرغبة:

ثلاث طرق

التغييرات القابلة للعكس كليا: تشمل إستخدام النظائر الهرمونية التي تمنع انتاج الهرمونات الجنسية (الأستروجين والتستوستيرون)، وتؤخر تاليا التغيرات الجسدية التي تحدث في مرحلة البلوغ. بعدها تعطى الخيارات البديلة (هرمونات التأنيث مثل السبيرونولاكتون واستراديول، وهرمونات أخرى لكبح هرمون الذكورة للعابرين اناثا). ان الاستعمال المبكر للهرمونات الكابتة للبلوغ تسمح للمراهق (ة) بتجنب التبعات العاطفية والاجتماعية للارتباك الجندري وتمنح فرصة التقرير النهائي لعملية العبور. 

من المهم قبل الشروع في العلاج اجراء تقييم دقيق يشمل تدوين استمرارية الارتباك، لعب الدور الجندري المرغوب فيه، المرحلة والفترة العمرية للبدء في عملية العبور، والقدرة على الموافقة المستنيرة لاتخاذ القرار وتلقي العلاج.

التغييرات القابلة للعكس جزئيا: بحسب عمر الموافقة لكل بلد، يعتبر عم الـ 16 عاما سن الاهلية للمراهق (ة) لتلقي العلاج الذي يتلاءم مع النمو والتطور الذهني والعاطفي والجسدي لمرحلة المراهقة.

© هانز بيلمير

التغييرات غير القابلة للعكس: يجب عدم الإقدام على أي جراحة للأعضاء التناسلية والجنسية قبل بلوغ الفرد السن القانونية المسموح بها، وأن يكون الفرد قد عاش مدة 12 شهرا على الأقل الدور الجندري المرغوب به للهوية الجندرية. 

تتراوح التأثيرات العلاجية لهرمونات التأنيث بين شهر وخمس سنوات بحسب كل عضو ووظيفة (تراجع حجم الخصيتين والعضو الذكري وانتاج المني والكتلة العضلية والرغبة الجنسية وتليين البشرة ونمو الثديين وغيرها)، وبحسب مدة العلاج ونوعه وطريقة اعطائه والاهداف المرجوة ومستوى العبور أو العبور المطلوب. 

تحتوي العلاجات الطبية على مخاطر تستوجب المتابعة بالفحوص الدورية كل 3 اشهر في المرحلة الأولى، ثم مرة- مرتين سنويا للتأكد من انتظام العلاج والحد من عوارضه الجانبية. من الضروري أيضا متابعة فحوص التقصي للالتهابات الجنسية والتجلطات (والبروستات في حال لم يتم استئصالها)، وصورة شعاعية للثديين (للعابرات اناثا)، وكذلك اجراء تقصي سرطان عنق الرحم والثديين وترقق العظام. 

تزداد المعرفة والخبرات محليا وعالميا في تقديم الخدمات الاستشارية والرعائية للعابرين (ات) جندريا، وتتوسع الاجراءات القانونية التي ترافق عملية التغيير. وتشمل تقارير نفسية وصحية وأدلة حول الدواعي الشاملة لإجراء عملية العبور التي تقدم جميعها للمحاكم المختصة. من الجدير بالذكر ان لبنان من ضمن البلدان التي توافق قانونا على هذا الاجراء ضمن استيفاء الملف القانوني، الذي تسهل تحضيره بعض الجمعيات الاهلية المعنية بالحقوق الصحية والعدالة الجندرية. ولكن حتى وإن تم العبور، فالتقارير الواردة من لبنان وبعض البلدان تشير الى تعاطٍ غير عادل، وتهميش، وتنميط، تجاه العابر (ة) مما يؤكد ما اشرنا اليه انفا من ضرورة تعديل القوانين والاجراءات وتحضير البيئة داخل المجتمعات لتقبل العابرين (ات) والتعامل معهم بعدالة وسوية.

لا تتقدم المجتمعات ولا تصان الحريات إلّا اذا تمكن كل فرد فيها من التعبير عن رأيه وأفكاره وهويته ومسالك حياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

للإشتراك في نشرتنا الدورية